كأن مقتل آلاف الأشخاص والفقر الذي يقترب من حد المجاعة وتدمير الاقتصاد الهش ليست مصائب كافية لليمن الذي يشهد صراعاً دامياً منذ ما يقرب من أربع سنوات. فالبلد العربي المنكوب يعاني من سرقة تراثه الحضاري الذي لا يقدر بثمن على يد جماعات جريمة منظمة ومتطرفين يستخدمون العنف. وهذه القصة المألوفة للغاية تؤكد الحاجة الملحة لأن تستخدم وزارة الخزانة الأميركية نظامها للعقوبات لإغلاق السوق الأميركية للفنون في وجه القطع الأثرية اليمنية الملطخة بالدماء.
ولليمن تاريخ حافل. فقد مثل البلد الواقع في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية منطقة التقاء لبعض من أقدم الاتصالات والتجارة بين الشرق والغرب وملتقى الطرق القديمة لتجارة البخور والتوابل. واليمن باعتباره بلد ملكة سبأ، اشتهر بكنوزه الحضارية وعراقة واستقلال شعبه وقد انتقلت هذه القصص عبر الأجيال بالإضافة إلى اشتهار اليمن بمشغولات الفضة البديعة. وصمد جانب كبير من تاريخ اليمن الثري لآلاف السنين. واليمن يوجد به أربعة مواقع لتراث الإنسانية التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) وبه متاحف قومية تضم أعمالا فنية لا تُقدر بمال. وبينما تابعت وسائل الإعلام عن كثب القتال حول بعض المواقع التاريخية وأماكن تجمع المقتنيات الأثرية، فمن المؤسف أن يتجاهل الإعلام أن تراث اليمن تم انتزاعه لبيعه إلى مشترين أجانب.
وحذر اليمن الأمم المتحدة والعالم من هذه التجارة غير المشروعة وقدم أدلة على أن مقاتلي تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» والمتمردين «الحوثيين» يتبعون نهج «داعش» في سرقة وبيع كنوز اليمن القديمة. واليمن به ثلاثة متاحف رئيسية وهي المتحف الوطني في تعز، والمتحف الوطني في عدن، والمتحف الوطني في زنجبار. وتعرضت المتاحف الثلاثة للنهب وتكاد تخلو من مقتنياتها. ورصد هذه المعلومات خبراء دوليون من بينهم علماء آثار درسوا الأوضاع في اليمن نفسه والمجلس الدولي للمتاحف وهيئة خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن.
وهناك أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تمثل مقصدا للقطع الأثرية اليمنية المنهوبة لأنها مازالت أكبر سوق للفن في العالم. وأوضح باحثون من منظمة «ائتلاف الآثار» غير الحكومية التي تستهدف منع سرقة وتجارة الآثار حول العالم أنه على مدار العقد الماضي استوردت الولايات المتحدة أعمالا فنية وأثرية معلنا عنها من اليمن بقيمة ثمانية ملايين دولار. وهناك أسباب أخرى تدعو للاعتقاد إلى أن القيمة الفعلية أكبر بكثير. صحيح أنه من المستحيل معرفة الحجم الحقيقي للتجارة غير المشروعة لكنها شائعة إلى حد كبير لأن اللصوص على امتداد المنطقة يرون في المتاحف والمواقع القديمة فرصاً للحصول على المال بسهولة.
وبرغم تزايد وعي واشنطن بشأن مخاطر تمويل الإرهاب عبر نهب الآثار والاتجار بها، مازالت الأسواق الأميركية مفتوحة الأبواب أمام الآثار التي تم نهبها أثناء الحرب في اليمن. وفي بلدان أخرى، استخدمت وزارة الخارجية الأميركية الأدوات الدبلوماسية المتاحة كي تتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقات ثنائية لإغلاق الأسواق الأميركية أمام الآثار الواردة بشكل غير قانوني. واتخذ الكونجرس الأميركي أيضاً إجراء تشريعياً لفرض عقوبات على القطع الأثرية الواردة بشكل غير قانوني من العراق وسوريا. لكن عدم تحريك الولايات المتحدة ساكناً يثير احتمال أن الأفراد والمؤسسات المعنية بجمع الآثار يساعدون في استدامة الصراع العنيف في البلاد من خلال عمليات الشراء التي يبدو أنها قانونية للأعمال الفنية المسروقة.
وتسعى الأمم المتحدة بدعم من المجتمع الدولي الذي تمثل الولايات المتحدة جزءا منه في بذل جهود إنسانية ومفاوضات دقيقة للتوصل إلى حل سياسي للصراع في اليمن بما يتفق مع قرار مجلس الأمن 2216 والقرارات المرجعية الثابتة الأخرى. وفي الوقت نفسه، يتعين على وزارة الخزانة الأميركية أن تستخدم سلطاتها لإصدار أمر تنفيذي عاجل يضيف آثار اليمن إلى قائمة المواد المفروض عليها عقوبات والممنوع استيرادها إلى الولايات المتحدة. ومثل هذا العمل سيحظى بدعم واسع النطاق في الكونجرس ويجب أن يكون ملمحا أساسيا في مساعي إنهاء الصراع في اليمن.
ونحن نعرف أن الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة حول العالم ولديها أيضا تقليد تعتز به خاص بحماية الكنوز الحضارية للبلاد أثناء أوقات الصراع. لكنها تستطيع القيام بأكثر من هذا بكثير لمساعدة اليمن، ولذا عليها أن تبدأ بحماية التراث في هذا البلد العريق.
ديبورا لير* وأحمد عوض بن مبارك**
*مؤسسة ورئيسة منظمة «ائتلاف الآثار» غير الحكومية.
** سفير اليمن في الولايات المتحدة والممثل الدائم لليمن في الأمم المتحدة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»